توجيهات بين يدي الاختبارات
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من استنَّ بسنته وسَلَكَ سبيله إلى يوم الدين.
أمَّا بعد ..
لعلَّ هذا هو اللقاء الأخير في اللقاءات المتكررة، ونسأل الله - جلَّ وعلا- أن يختار لنا الخير وإياكم جميعًا أينما ذهبنا وحَلَلْنا، وحيثما تَوَجَّهنا، وبهذه المناسبة؛ أحثّ أبنائي وأحبتي خصوصًا طلبة الجامعة والمدارس النظامية بهذه المناسبة أن يجتهدوا فإن الاختبارات قد أَزِفتْ، وهي على الأبواب، وما بيننا وبينها إلَّا مدة أسبوع أو أسبوعين على كِلَا التقديرين؛ للجامعة أسبوع، ولغيرها مدة الاختبار بيننا وبينها ما ذكرت، فأوصي أبنائي وأحبتي جميعًا بالاهتمام بدروسهم، ومراجعتها وعدم تضييع الأوقات، وذلك بالآتي:
- الأول: الحرص على الوقت والشح به، فلا تَصْرِفه إلَّا فيما يعود عليك بالفائدة، بعد أداءِ الفرائض التي أوجبها الله - جلَّ وعلا-، فاحرصوا على الوقت ولا تُضَيِّعوه.
- ثانيًا: عليكم بالأسباب المُعِينةِ لكم على التحصيل، والمذاكرة، والحفظ، والمحافظة على هذا العلم، وذلك:
أولًا: بإعطاء الجسم حَقَّه وحَظَّه من الراحة، وذلك بالنوم مُبَكِّرًا لأجل أن تستيقظ مُبَكِّرا، فإن في البكور ينالُ الإنسان ما يريد، فكثيرٌ من الناس يسهرون الليل كُلَّه أو جُلَّه، ويصبحون الصباح وهم قد ماتوا وخَمِدوا، وهذا للأسف حاصل، فالإنسان العاقل هو الذي ينتهز مثل هذه الفرص بالصَّيْدِ والقنص، فحينما ينام هؤلاء يهدأ الجو لك، فأنتَ تُحَصِّل في البكور، والساعة في هذا الوقت تعدل ساعات في وقت الإنهاك والإجهاد والضوضاء وكثرة المشاغل وقيام الناس، هذا أولًا.
ثانيًا: عليكَ بأن تُرَكِّز ذهنك على المطلوب منك ولا تحاول الخروج عنه، فإذا مَرَّ بِكَ شيء واستدعاك إلى مراجعة، فَرُبَّما في أثناء المراجعة يَعْرِضُ لك بعض العوارض الاستطرادية في العلوم والفوائد؛ فلا تتبعها ورَكِّز على المطلوب منك، وإذا عَرَضت هذه العوارض لا تتركها، هذه الفوائد، وإنَّما دَوِّنها على جلد الكتاب الذي تعرض فيه، وتراجعها - إن شاء الله تعالى - متى عُدْت وتَفَرَّغت، المهم ألَّا تأخذ عليك وقتك على حساب الموضوع الأصلي، المُقَرَّر الأصلي، فَدَوِّنها على غلاف الكتاب، وعُدْ إلى درسك الرئيسي، وموضوعك الرئيسي.
ثالثًا: مِمَّا يعين في هذا؛ الإقلال من الطعام، فإن البُطنة تُذهِبُ الفِطْنة، إذا أكثرت من الأكل تَخَدَّر الجسم وتكاسل الإنسان، وإذا ما قَلَّل طعامه أصبحَ نشيطًا، فعليكَ بالإقلال من الطعام، خُذْ الذي يَقوم به الصُّلب تكون خفيفًا حينئذٍ، تَكُن خفيفًا، وتستطيع أن تُحَصِّل وأنتَ في غاية النشاط.
ورابعًا: عليكَ أيضًا بصحبة النَّابِه عالي الهِمَّة الذي يستحثك إلى الرُّقي إلى مستواه، ويُعينك على نفسك، ولا تصحب الكسلان، ولا تصحب العاطل من باب أَوْلَى، فإذا لم تَجِد من هو أعلى منك فلا أقلَّ من أن تصحب المُماثل لك، فإنه يعينك بحرصه ويفيدك بعلمه، فاصحب هؤلاء لأنهم يعينونك على نفسك، وإيَّاك وَصُحْبَة من يُضَيِّع الوقت عليك في الكلام الذي لا فائدة فيه أو في الكلام الخارج عن مُرَادِك في هذه الأيام، والمراد هو استذكار الدروس حتى تُحَصِّل، فلا يكون أهل الحق وأهل السُّنة من أضعف الناس في الدرجات، فإنهم هم أَوْلَى الناس بأن يكونوا أعلى الناس في درجات العلوم، لأنهم أَحْرَص الناس عليها، فكيف يشتغلون بالعلوم ويكونون مع ذلك في هذا المستوى من التدني؟! هذا لا ينبغي، طالب العلم السُّني السَّلفي ينبغي له أن يكون قدوةً، وأن يكون أُسْوَةً لغيره في نشاطه، في جِدِّه واجتهاده، في حرصه، فعليكَ بمصاحبة من يعينك وإياك ومصاحبة من يُثَبِّطك ويَنزِلُ بك.
خامسًا: أيضًا أَقِل الخروج والتجوال الذي كنت تُكْثِر منه في وقت السَّعَة، وانحصر فيما أنتَ فيه، واستجمع ذهنك ولُبَّك على كتابك، فإنك في هذا الوقت - وقت التحصيل- أنتَ تقطف الثمرة، ووقت الثمرة الإنسان يجمع هِمَّته للجَنِي، فإن ذهب من هنا وهنا فَسَدَت الثَّمرة لأنه لا يعتني بقطفها في وقتها، فَرُبَّما تَأَخَّر عنها وتَلِفَت، فأنتَ الآن في وقت الجَنِي، في وقت القِطَاف، وقت الثمار، فإن تركتها فَسَدَتْ، فإذا تركت التحصيل والمراجعة في هذا الوقت فَسَدَتْ عليك الدرجات، وفَسَدَ عليك المستوى الذي يَصْبو إليه من أَحَبَّك أن تَصِل إليه، فعليكم بهذا، احرصوا عليه غاية الحرص، أَقِلُّوا من الخروج، واحبسوا أنفسكم على المراجعة والاستذكار والمُطالعة.
سادسًا: لِكُلِّ طالب طريقة، ومن أحسن الطرائق أن يُلَخِّص الإنسان الدرس، فَيُرَاجعه إذا لم يجد من يراجع معه، يُلَخِّصه هو بنفسه، ثُمَّ بعد ذلك ينظر ويعرض ما لَخَّص من حِفْظِه على ما كَتَبَهُ بِخَطِّه ولفظه، فإن وَجَدَ أنه قد أحسن، فليحمد الله، وإِلَّا فليراجع، وليراجع، وليراجع، ثم ليُسَمِّع نفسه بهذه الطريقة التي ذكرتها لكم بتلخيص ما حَصَلَ في هذه الكتب التي دَرَسَها. سَيَصِلُ بإذن الله – تبارك وتعالى- إلى هذه، بهذه الطريقة إلى النتيجة الطيبة والثمرة المَرْجُوَّة، وليعلم أنَّ الإنسان إذا وَهَبَ العلم كُلَّه، وَهَبَهُ العلم بعضه، فإذا لم يَهَبْهُ شيئًا، فهذا لا يُحَصِّل شيئًا، إذا وهبت العلم كُلَّك وَهَبَكَ بعضه، فكيف إذا وهبته بعضك؟ بل كيف إذا لم تَهَبْهُ شيئًا؟ هذا لا يمكن أن يُحَصِّل شيئًا.
وسابعًا: أوصيكم بعدم القراءة مع الإجهاد والإنهاك، وذلك في الوقت المتأخر من الليل، فإنَّه مهما أكلَّ نفسه في هذا الوقت؛ لا يُحَصِّل شيئًا، لأن القلوب كما قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((القُلوبَ إذا كَلَّتْ عَمِيَتْ)) ما عاد تحفظ، ولا تفهم، فإذا وَصَلْتَ إلى الإجهاد والتعب فَنَمْ، واستيقظ من آخر الليل، تقوم نشيطًا بإذن الله - تبارك وتعالى-، وتُحَصِّل في الساعة بعد أَخْذِ القسط من الراحة ما لم تُحَصِّله في الساعات في وقت الإجهاد، هذا ما أحببت أن أوصي به أبنائي والكلام في هذا يطول، ولعلَّ في هذا كفاية.
والله أعلم، وصَلَّى الله وسَلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصدر
محاضرة "توجيهات بين يدي الاختبارات" ألقاها فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن هادي بن علي المدخلي – حفظه الله تعالى-
في مسجد بدر العتيبي بالمدينة النبوية، يوم الثلاثاء
السابع من شهر رجب عام خمسةٍ وثلاثين وأربعمائة وألفٍ هجرية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق