فرق بين هدي علماء السلف... وعلماء السوء في زماننا
قال الإمام أحمد رضي الله عنه: "من عرض نفسه للفتيا فقد عرضها أمرا عظيم، إلا إنه قد تُلجئ إليه ضرورة".
قيل له: فأيهما أفضل الكلام أم السكوت؟
قال: الإمساك أحب إلي.
قيل له: فإذا كانت الضرورة؟.
فجعل يقول الضرورة الضرورة، وقال: الإمساك أسلم له.
وقال ابن دينار لقتادة "لما جلس للفتيا تدري في أي عمل وقعت, وقعت بين الله وبين عباده, وقلت: هذا يصلح وهذا لا يصلح".
وكان النَّخعيُ يُسأل فتظهر عليه الكراهة ويقول: "ما وجدت أحدًا تسأل غيري؟! وقال قد تكلمت ولو وجدت بدا ما تكلمت, وإن زمانًا أكون فيه فقيه الكُوفةِ لزمانُ سُوءٍ".
الذي أصبح فيه كثير ممن يُقال عنه إنه شيخ ومفتي، يُفتي بفتاوى مناقضة لصريح المنطوق من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومخالفة له.
فهؤلاء هم علماء السوء عياذًا بالله من ذلك إن قيل إنهم علماء، أو سلمنا بأنهم علماء، فهم علماء السوء ؛وإلا فكثير منهم ليس من العلم في قليل ولا كثير, وخصوصًا في هذه الآونة التي كثرت فيها المحطات الفضائية، وأصبح الممثل بالأمس اليوم شيخًا, وأصبح المُفَّحط بالسيارة أمس اليوم شيخًا, وأصبح المُغني بالأمس اليوم شيخًا, ونحن لا نعيبه بأمر تاب منه, لا والله! فهذا حبيب إلى أنفسنا, لكنا نعيبه أن أقعد نفسه مقعد أهل العلم ولم يتعلم ، ترك التفحيط بالأمس واليوم على طول بعدما تاب أخرجوه للناس شيخًا يُفتي وما تعلم شيئًا.
هو بالأمس يُصفّقون له بالحلبة وهو يُفحّط، وكما يقولون بلغة أهل التفحيط يُخمّس، يكتب خمسات إمّا في الاسفلت وإمّا في الرمل فهذا يحتاج إلى زمان بعد توبته إلى أن يتعلّم، ولا مانع أن يذكر نعمة الله عليه، إذ نقله من حال إلى حال، أما أن يتوب اليوم -ونسأل الله أن يتقبّل منه ويغفر لنا وله - ويخرج على الناس مُفتيا ! هذا ما يصلح وهذا الذي ترونه أنتم اليوم، يُصبح يتكلم عن الدين وهو لا يعلم عن الشرع شيئا، والناس للأسف يقْبلون ، فمثل هذا هو الهلاك، أمس كانت السُمعة له مع الجيل الأول بمهنته الأولى التي كان عليها، التفحيط .. التمثيل .. التهريج، اليوم يريد أن يسود، لكن ما وجد طريقة، فظهر باسم الشيخ وباسم المُفتي وباسم العلم، فكم من مسألة سمعناها من هؤلاء من ضروريات الدين والبدهيّات تسمع فيها الجهالات، وبعضهم سمعنا بعض أشرطته، حديقة حيوانات وهو في المسجد ، مرة يُقلّد صوت البقرة ومرة يقلّد صوت الدجاجة ومرة يقلّد صوت الديك ومرة يُقلد ما أدري إيش! نسيت الأصوات التي مرت بي في هذا الشريط، قلت لهم هذا في درس؟ في المسجد؟ قالوا نعم. هذا ما أصبح درسًا هذا أصبح حديقة حيوانات،فالعالم ما هذه صفته وأهل العلم ليست هذه صفاتهم.
فالشاهد مسألة الفُتيا أمرها خطير وأمرها عظيم ولا يتكلم بها إلا من اتصف بالعلم ، والمتصفون بالعلم هذا حاله؛ إبراهيم بن يزيد النخعي يقول:" لو وجدت بدا ما تكلمت وإن زمانا أكون فيه فقيه أهل الكوفة لزمان سوء" حدّهم الزمان أن أكون أنا فقيههم زمان سوء؛ يعني: العلماء راحوا ما عاد بقيت إلا أنا؟ الله يخلف عليهم ما دمت أنا فقيههم.
هذا هو إبراهيم النخعي؛ الإمام العابد العالم الفقيه الزاهد الورع الجبل رحمه الله تعالى، فما عسى أن يقول من دونه بآلاف المرات فنسأل الله العافية والسلامة.
فباب الفُتيا معشر الإخوة والأبناء من الأبواب التي يُدخل بها على الإنسان، ويتلف بها دينه، لأنها ترؤُّسٌ بالعلم على الناس، وتسوّد على الناس بالعلم فيهلك الإنسان منها، نسأل الله العافية والسلامة.
جزء من الدرس الثالث من شرح حديث ما ذئبان جائعان
للشيخ محمد بن هادي حفظه الله تعالى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق