مسألة في الدعاء...
كلام أئمة أهل العلم والفقه فيما يقوله المأموم في مواطن الثناء على الله تعالى من دعاء القنوت.
الحمد لله الكريم الرحمن، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للإنس والجان، وعلى آله وأصحابه وسائر أهل الإسلام والإيمان.
أما بعد، يا أيها الأخ المفضال -زادك الله في الفقه واﻹحسان-:
إن بين يديك وناظريك جزءآ صغيراً حول: "ما يقوله المأموم في مواطن الثناء على الله تعالى من دعاء القنوت".
ذكرت فيه ما وقفت عليه من كلام لأهل العلم والفقه -أكرمهم الله بالجنة والرضوان- في هذه المسألة.
ومن أمثلة الثناء على الله تعالى:
1- قول اﻹمام في دعائه: (إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ).
2- وقوله: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ...).
هذا وأسأل الله العلي العظيم أن ينفعني وإياك به، وبما فيه، إنه سميع الدعاء.
ودونك هؤﻻء العلماء الفقهاء -جعلهم الله من أهل رضوانه- مع كلامهم ومكانه ومرجعه:
أوﻻً: قال الإمام أبو داود السجستاني -رحمه الله تعالى- في "مسائله" (475):
ﺳﻤﻌﺖ ﺃﺣﻤﺪ -يعني: ابن حنبل- ﺳﺌﻞ ﻋﻦ اﻟﻘﻨﻮﺕ؟. ﻓﻘﺎﻝ: "اﻟﺬﻱ ﻳﻌﺠﺒﻨﺎ ﺃﻥ ﻳﻘﻨﺖ اﻹﻣﺎﻡ، ﻭﻳﺆﻣﻦ ﻣﻦ ﺧﻠﻔﻪ، ﻗﻴﻞ ﻷﺣﻤﺪ: ﻗﺎﻝ: (اﻟﻠﻬﻢ ﺇﻧﺎ ﻧﺴﺘﻌﻴﻨﻚ ﻭﻧﺴﺘﻐﻔﺮﻙ). ﻳﻘﻮﻝ ﻣﻦ ﺧﻠﻔﻪ: ﺁﻣﻴﻦ؟. ﻗﺎﻝ: ﻳﺆﻣﻦ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ التأمين. أ. هـ.
وقال العلامة أبو عبد الله بن مفلح -رحمه الله تعالى- في كتابه: الفروع "(1/ 542): "وعنه: في الثناء، (وش)، وعنه: يخير. أ.هـ.
وقال أبو إسحاق بن مفلح -رحمه الله تعالى- في كتابه "المبدع في شرح المقنع" (2/ 15): "وعنه: يتابعه في الثناء، ويؤمن على الدعاء، وعنه: يخير. أ. هـ.
والمراد بقولهما: "وعنه" أي: وعن الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى-.
ثانياً: قال اﻹمام/ محمد بن نصر المروزي -رحمه الله تعالى- كما في "مختصر الوتر" (ص: 150): "وهذا الذي أختار: أن يسكتوا حتى يفرغ اﻹمام من قراءة السورتين، ثم إذا بلغ بعد ذلك مواضع الدعاء أمنوا. أ. هـ.
وقد نقل قبله عن معاذ القاري -رحمه الله تعالى- أنه قال في قنوته: "اللهم قحط المطر فقالوا: آمين. فلما فرغ من صلاته قال: قلت: اللهم قحط المطر فقلتم: آمين. أﻻ تسمعون ما أقول ثم تقولون: آمين".
ثالثاً: قال أبو إسحاق الشيرازي الشافعي -رحمه الله تعالى- في كتابه "المهذب في فقه الإمام الشافعي" (1/ 155): "ويستحب للمأموم أن يؤمن على الدعاء، لما روى ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "قنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان يؤمن من خلفه".
ويستحب له أن يشاركه في الثناء، لإنه لا يصلح التأمين على ذلك فكانت المشاركة أولى. أ. هـ.
رابعاً: قال أبو زكريا النووي الشافعي -رحمه الله تعالى- في كتابه "المجموع" (3/ 418: "ﻳﺆﻣﻦ ﻓﻲ اﻟﻜﻠﻤﺎﺕ اﻟﺨﻤﺲ اﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺩﻋﺎء. ﻭﺃﻣﺎ اﻟﺜﻨﺎء، ﻭﻫﻮ ﻗﻮﻟﻪ:
(فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ). ﺇﻟﻰ ﺁﺧﺮﻩ.
ﻓﻴﺸﺎﺭﻛﻪ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺃﻭ ﻳﺴﻜﺖ، ﻭاﻟﻤﺸﺎﺭﻛﺔ ﺃﻭﻟﻰ، ﻹنه ﺛﻨﺎء ﻭﺫﻛﺮ ﻻ ﻳﻠﻴﻖ ﻓﻴﻪ اﻟﺘﺄﻣﻴﻦ. أ. هـ. يعني: يشاركه سراً.
ذكر ذلك ابن علان في "الفتوحات الربانية" وزكريا الأنصاري في "الغرر البهية" -رحمهما الله تعالى-.
وقال البكري الدمياطي -رحمه الله تعالى- في كتابه "إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين" (ص: 189):
قوله: [فيقول سراً] أي أو يقول: أشهد، أو: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين، أو نحو ذلك، أو يستمع، والأول أولى. أ. هـ.
خامساً: "قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واﻹفتاء برئاسة شيخنا العلامة عبد العزيز بن باز وعضوية العلامة عبد الله الغديان -رحمهما الله تعالى- (7/ 48): "ﻳﺸﺮﻉ اﻟﺘﺄﻣﻴﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻋﺎء ﻓﻲ اﻟﻘﻨﻮﺕ، ﻭﻋﻨﺪ اﻟﺜﻨﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻳﻜﻔﻴﻪ اﻟﺴﻜﻮﺕ.
ﻭﺇﻥ ﻗﺎﻝ: ﺳﺒﺤﺎﻧﻚ ﺃﻭ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻓﻼ ﺑﺄﺱ. أ. هـ.
وقالت اللجنة الدائمة أيضا ً(7/ 185): "يؤمن المأموم على دعاء اﻹمام، ويثني على الله سبحانه إذا أثنى إمامه على الله أو ينصت. أ. هـ.
ووقع عليها: "عبد العزيز بن باز وعبد الرزاق عفيفي وعبد الله بن قعود.
سادساً: قال العلامة/ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله تعالى-: "يؤمن في موضع الدعاء، ويسكت في موضع الثناء على الله. أ. هـ.
نقلاً عن الأخ/ عبد الله بن ناصر الدوسري -سلمه الله تعالى-، وهو ممن لهم صلة بالشيخ -رحمه الله تعالى- وقرب.
سابعاً: "قال العلامة/ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله تعالى-: "فإذا ورد ثناء على الله -عز وجل- في قنوت الوتر، وقال المأموم: "سبحانك" فلا بأس. أ. هـ. نقلاً عن كتاب بعنوان: "جلسات رمضانية لابن عثيمين".
وقال -رحمه الله تعالى- في شريط مسجل سمعته بنفسي وهو يقرأ هذا السؤال: في دعاء القنوت إذا كان الإمام يثني على الله فماذا يقول المأموم؟.
يقول: سبحانه أو جل وعلا وما أشبه ذلك، ولو سكت فلا بأس، لكن كونه يسبح يكون أدعى للمتابعة. أ. هـ.
ثم قال -رحمه الله تعالى-: "كان الناس يفعلونه في عهد مشايخنا -رحمهم الله تعالى- ولا سمعنا أحداً ينهى عنه، فلعلهم يقولون: إن هذا قد يكون أدعى للخشوع، مع أني أنا أفضل أن يكون سراً، لكن ما أستطيع النهي عنه. أ. هـ.
ثامناً: قال العلامة صالح بن فوزان الفوزان -سلمه الله تعالى- في بيان له بتاريخ (15/ رمضان /1432) ونشر في جريدة المدينة رداً على أحدهم: يقول هؤﻻء اﻹخوة: إن قول "سبحانك" بعد كل جملة معناه تنزيه الله عما جاء فيها، هكذا بلغني عنهم.
أقول ليس لهذا الإستنكار وجه لأمرين:
اﻷمر اﻷول:
أن قول "سبحانك" ثناء على الله تعالى، والله تعالى أمر بتسبيحه، فقال: {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}. وقال: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ}. فالتسبيح من أنواع الذكر لله، فالمأموم إذا قاله إنما يذكر الله به حينما يثني اﻹمام بهذه اﻷلفاظ على الله سبحانه، فهو ذكر ابتدائي ليس تنزيهاً لله عما قاله اﻹمام.
الأمر الثاني:
وحتى لو قلنا إنه تنزيه لله فإنه يعود إلى تنزيه الله عن ضد ما قاله اﻹمام، فإذا قال: (لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ). فمعناه: تنزيه الله عن أن يذل من والاه أو يعز من عاداه، وكذلك في قوله: (إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ).
فإن التسبيح معناه: تنزيه الله من أن يقضي عليه. فينبغي التنبه لذلك وعدم التسرع في اﻹنكار قبل التثبت.
وفق الله الجميع وصلى الله على نبينا محمد. أ. هـ.
تاسعاً: وقال لي شيخنا العلامة/ ربيع بن هادي المدخلي -سلمه الله تعالى- حين سألته في (5/ رمضان /1434): "لا أعرف في ذلك حديثاً، ولكن إذا سبح فليسبح في نفسه. أ. هـ.
عاشراً: وسئل العلامة/ أحمد بن يحيى النجمي -رحمه الله تعالى- فقال: "يسكت أو يسبح. أ . هـ.
نقله لي عنه الأخ الشيخ عبد الواحد المدخلي -سلمه الله تعالى- وزاد: "وكأن الشيخ يفضل السكوت على التسبيح". أ. هـ.
حادي عشر: قال العلامة/ زيد بن محمد هادي المدخلي -سلمه الله تعالى-: "الأمر في هذا واسع، إن شاء أمن، لإن التأمين تمجيد، وإن شاء سبح الله ونزهه، وإن شاء سكت. أ. هـ.
نقلاً عن الأخ الشيخ فواز المدخلي -سلمه الله تعالى-، حيث طلبت منه سؤال الشيخ فأجابه بهذا الجواب.
ثاني عشر: قال العلامة/ عبد المحسن بن حمد العباد -سلمه الله تعالى-: "له أن يقول سبحانك، وله أن يسكت. أ. هـ.
كتبه لي أحد تلامذته وهو الأخ الشيخ بدر الظاهري -سلمه الله تعالى-.
ثالث عشر: أملى علي شيخنا العلامة/ عبيد بن عبد الله الجابري هذا الكلام حين سألته في (5/ رمضان /1434): "يبدو لي أن اﻷمر فيه سعة، فإن شاء المأموم سبح، وإن شاء سكت، وحتى هذه الساعة لا أعلم ورود شيء في السنة في ذلك. أ هـ.
وخلاصة ما تقدم نقله عنهم: أن منهم من قال: "هو مخير إن شاء سكت، وإن شاء سبح، ومنهم من قال: يسكت، وزاد بعضهم: وإن شاء أمن، ومنهم من قال: إن شاء سكت، وإن شاء تابعه في الثناء.
جمع وترتيب:
عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق