(*) شَهْرُ شَعْبَانَ: حِكَمٌ وأَحْكَامٌ (*)
6 ـ الحِكمة في إكثاره ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ مِن الصِّيام في شعبان:
روى النَّسائي (2357) عن أُسَامَة بْن زَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ»(37).
بيَّن رسولُ الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ وجهَ صيامِه شعبانَ: بأنَّ الأعمال تُرفع فيه، وهو يحبُّ أن يُرفع عمله وهو صائم، واختار الصَّوم لفضله، وطلبًا لزيادة رفعة الدَّرجة، لذا كان ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ يصوم ـ أيضًا ـ الاثنين والخميس للعلَّة السَّابقة:
لما روى التِّرمذي (747) عن أبي هريرة أنَّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : «تُعْرَضُ الأَعْمَالُ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَالخَمِيسِ فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ».
وفي رواية قال: «إِنَّ الأَعْمَالَ تُرْفَعُ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَالخَمِيسِ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ»(39).
ولا يُنافي رفعُ الأعمال في هذين اليومين ـ أي: الاثنين والخميس ـ رفعَها في شعبان، لجواز رفع أعمال الأسبوع مُفصّلة، وأعمال العام مُجملة(40).
وقيل ـ أيضا ـ: تُرفع الأعمال في شعبان إلى الملأ الأعلى، ولا ينافي ذلك رفع أعمال اللَّيل بعد صلاة الصُّبح، ورفع أعمال النَّهار بعد صلاة العصر ـ يوميا ـ وكذا رفع الأعمال كلَّ يوم اثنين وخميس ـ أسبوعيا ـ؛ لأنَّ الأوَّل: رفع عامٌّ لجميع ما يقع في السَّنة، والثَّاني: رفع خاصٌّ لكلِّ يوم وليلة، والثَّالث: رفع لجميع ما يقع في الأسبوع، وكان حِكمة تكرير هذا الرَّفع: مزيد من تشريف الطَّائعين، وتقبيح عمل العاصين(41).
وقال السِّندي: «وهو شهر تُرفع الأعمال فيه إلى ربِّ العالمين. قيل: ما معنى هذا مع أنَّه ثبت في «الصَّحيحين»: أنَّ الله تعالى يُرفع إليه عمل اللَّيل قبل عمل النَّهار، وعمل النَّهار قبل عمل اللَّيل؟ قلتُ: يُحتمل أمران:
أحدهما:
أنَّ أعمال العباد تُعرض على الله تعالى كلَّ يوم، ثمَّ تُعرض عليه أعمال الجمعة في كلِّ اثنين وخميس، ثمَّ تُعرض عليه أعمال السَّنة في شعبان، فتُعرض عرضًا بعد عرض، ولكلِّ عرض حِكمة، يُطْلع عليها مَن يشاء مِن خلقه، أو يستأثر بها عنده، مع أنّه ـ تعالى ـ لا يخفى عليه مِن أعمالهم خافية.
ثانيهما:
أنَّ المراد: أنَّها تُعرض في اليوم تفصيلا، ثمَّ في الجمعة جملة، أو بالعكس»(42).
هذا مِن جهة، ومِن جهة أخرى فإنَّ الحِكمة مِن إكثار النَّبيِّ ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ مِن الصِّيام في شعبان: هو أنَّ أكثر النَّاس يغفل عنه، وهذا لما اكتنفه شهران عظيمان، وهما الشَّهر الحرام ـ وهو رجب ـ وشهر الصِّيام ـ وهو رمضان ـ فاشتغل النَّاس بهما، وغفلوا عن شعبان، وإنَّما يغْفل النَّاس عَنهُ تقوِّيا بِالفطرِ لرمضان، وكلُّ وَقت يغْفل النَّاس عَنهُ يكون فَاضلا لقلَّة القائمين فيه بِالخدمَةِ، كما هو الأمر بالنِّسبة لقيام اللَّيْل وَأَشْبَاه ذَلِك(43)، لذا قال رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ: «وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلامٍ»(44).
.... يتبع
☑ المصدر :
شَهْرُ شَعْبَانَ: حِكَمٌ وأَحْكَامٌ
http://sahab.net/home
------------------------------------------------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق